المقالات - خيام الموت - الاستهداف الإسرائيلي الممنهج لخيام النازحين


خيام الموت - الاستهداف الإسرائيلي الممنهج لخيام النازحين | فلسطيننا

منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، يتعرض قطاع غزة لعدوان عسكري شامل اتّسم بالوحشية الممنهجة واتساع نطاق الجرائم والانتهاكات ضد السكان المدنيين.

فقد أسفرت الحملة الإسرائيلية عن مقتل عشرات الآلاف من المدنيين، غالبيتهم من النساء والأطفال، وتدمير شامل للبنية التحتية المدنية بما فيها المستشفيات والمدارس ومخيمات الإيواء.

لكنّ أحد أكثر مظاهر هذه الإبادة بشاعة تمثّل في استهداف خيام النازحين الذين لجؤوا إلى مناطق صنفتها إسرائيل بأنها “آمنة” — مثل دير البلح والمواصي ورفح — ليتضح لاحقًا أن تلك “المناطق الآمنة” لم تكن سوى مصائد موت جماعي.

هذا النمط من الهجمات، المترافق مع الحصار والتجويع والتهجير القسري، يشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، ويرقى إلى جريمة حرب وإبادة جماعية تستدعي تحركًا دوليًا عاجلًا للمساءلة والردع.

 

النزوح القسري وخداع “المناطق الآمنة”

فرضت إسرائيل على مئات آلاف الفلسطينيين نزوحًا قسريًا جماعيًا عبر القصف الجوي والمدفعي، ودمرت أحياءً سكنية بأكملها.

وبدلًا من توفير ممرات إنسانية، أصدرت تعليمات عسكرية تجبر المدنيين على التوجه إلى مناطق محددة مثل المواصي الساحلية، زاعمةً أنها مناطق آمنة.

إلا أن الوقائع الميدانية وتقارير الأمم المتحدة ووكالة الأوتشا (OCHA) أظهرت أن هذه المناطق تحولت إلى أهداف مباشرة للقصف.

ففي حين لجأ إليها آلاف النساء والأطفال، كانت الصواريخ الإسرائيلية تمزّق الخيام فوق رؤوسهم.

تُعدّ سياسة “المناطق الآمنة” المزيفة خداعًا عسكريًا متعمّدًا وانتهاكًا للمادة (49) من اتفاقية جنيف الرابعة (1949)، التي تحظر النقل القسري للسكان أو تعريضهم للخطر.

بل إنها شكل من أشكال التهجير القسري المنهجي الذي يرقى إلى جريمة ضد الإنسانية.

 

تحويل الملاذات إلى مصائد موت

بحسب تقارير الأونروا والدفاع المدني الفلسطيني، تقلصت “المناطق الآمنة” في غزة من 13% من مساحة القطاع في يوليو 2024 إلى أقل من 9.5% بحلول سبتمبر 2024، معظمها أراضٍ زراعية لا تصلح للسكن.

في هذه المناطق، عاش النازحون في خيام مهترئة وسط الجوع والعطش والأوبئة، ثم تحولوا إلى أهداف متكررة لهجمات جوية ومدفعية مباشرة.

التهجير لم يكن بهدف الحماية، بل أداة لتكثيف المعاناة ضمن سياسة إبادة جماعية ممنهجة.

 

وقائع موثقة لمجازر الخيام

وفق البيانات الميدانية الموثقة حتى نهاية سبتمبر 2024، تم تنفيذ أكثر من 41 هجومًا جويًا وبريًا وبحريًا استهدفت خيام النازحين تحديدًا، مما أسفر عن استشهاد 355 مدنيًا وإصابة 743 آخرين، غالبيتهم نساء وأطفال.

من أبرز المجازر الموثقة:

    13 مارس 2024 – دير البلح: قصف خيام النازحين داخل مستشفى شهداء الأقصى، ما أدى إلى استشهاد صحفيين ومدنيين لجأوا إلى المستشفى طلبًا للأمان.

    14 يوليو 2024 – المواصي بخان يونس: قصف جوي مكثف على تجمع نازحين، أوقع 90 شهيدًا بينهم نساء وأطفال.

    27 مايو 2024 – رفح: استهداف خيام بجوار مخازن الأونروا، أودى بحياة 40 مدنيًا، رغم صدور قرار من محكمة العدل الدولية قبل 48 ساعة فقط يطالب بوقف العمليات العسكرية.

    27 يونيو 2024 – الشاكوش، رفح: قصف مباشر أدى إلى استشهاد 20 مدنيًا وإصابة العشرات، بينهم متطوعو دفاع مدني.

هذه الوقائع ليست حوادث معزولة، بل سلسلة متكررة وممنهجة ترمي إلى نشر الرعب بين النازحين ودفعهم إلى النزوح مجددًا دون وجهة.

 

مستشفى شهداء الأقصى – نموذج “الإبادة داخل الأسوار”

تحوّل مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح إلى رمز لمعاناة النازحين.

ورغم أنه مرفق طبي محمي بموجب القانون الدولي، تعرّض لأكثر من تسع هجمات مباشرة بين يناير ونوفمبر 2024 استهدفت الخيام داخله.

في إحدى المجازر، التهمت النيران 30 خيمة داخل ساحة المستشفى، بعد قصف بطائرات أباتشي أدى إلى استشهاد 14 مدنيًا بينهم أطفال وصحفيون.

وصف المكتب الإعلامي في غزة المشهد بأنه “محرقة جديدة” تضاف إلى سجل الإبادة الجماعية.

هذا النمط المتكرر من القصف، رغم معرفة الاحتلال بوجود المدنيين، يثبت النية المتعمدة لإيقاع أكبر قدر من الضحايا في مناطق يُفترض أنها “آمنة”.

 

خيام المواصي... من المأوى إلى المقبرة

المواصي، التي أعلنتها إسرائيل “منطقة آمنة”، أصبحت أكثر مناطق غزة دمويةً.

من يناير 2024 حتى يناير 2025، تم توثيق عشرات المجازر أبرزها:

    10 مارس 2024: قصف خيام النازحين قرب مدينة حمد، أدى إلى استشهاد 14 شخصًا بينهم ذوو إعاقة.

    يوليو 2024: مجزرة مروعة في شارع النصف بخان يونس، أكثر من 90 شهيدًا و300 جريح.

    2 يناير 2025: قصف جديد لخيام نازحين، أوقع 10 شهداء بينهم نساء وأطفال.

    8 يناير 2025: استهداف بطائرة مسيّرة لخيمة نازحين أدى إلى مقتل خمسة أطفال.

تؤكد هذه الوقائع أن “الملاذات” التي لجأ إليها المدنيون تحوّلت إلى ساحات قتل جماعي في خرق صريح للمبادئ الإنسانية الأساسية.

 

مواصي رفح... الخداع الأخير

رغم تصنيفها “منطقة آمنة”، كانت رفح مسرحًا لمجازر متتابعة، أبرزها:

    21 يناير 2024: قصف نازحين قرب مقر الصليب الأحمر، 25 شهيدًا و20 جريحًا.

    2 مارس 2024: استهداف خيام بجوار مستشفى الإمارات للولادة، 11 شهيدًا بينهم مسعف.

    27 مايو 2024: مجزرة الأونروا في رفح، 40 شهيدًا واحتراق العشرات.

    27 يونيو 2024: قصف الشاكوش – 20 شهيدًا و50 جريحًا.

    30 يونيو 2024: قصف مدفعي وجوي دمّر 5000 دونم من الدفيئات الزراعية.

تؤكد هذه الجرائم أن الاحتلال يتعمّد قصف المدنيين في ذروة التجمعات البشرية، في انتهاك مباشر لمبدأي التمييز والتناسب في القانون الدولي الإنساني.

 

التحليل القانوني – جريمة حرب وجريمة إبادة جماعية

استهداف خيام النازحين يُشكّل:

1.    انتهاكًا لاتفاقية جنيف الرابعة (1949)

o    المادة (3): تحظر القتل والمعاملة القاسية بحق المدنيين.

o    المادة (33): تحظر العقوبات الجماعية وتدمير الممتلكات بلا ضرورة عسكرية.

2.    خرقًا للبروتوكول الإضافي الأول (1977)

o    المادة (48): تفرض التمييز بين المدنيين والمقاتلين.

o    المادة (51): تحظر الهجمات العشوائية وغير المتناسبة.

3.    جريمة حرب وفق نظام روما الأساسي (1998)

o    المادة (8): تجرّم الهجمات المتعمدة على المدنيين.

o    المادة (7): تعتبر التهجير القسري واضطهاد الجماعات المدنية جرائم ضد الإنسانية.

o    المادة (6): تُدرج فرض ظروف معيشية قاسية تهدف لتدمير جماعة قومية ضمن جرائم الإبادة الجماعية.

4.    تجاهل قرار محكمة العدل الدولية (يناير 2024)

الذي أمر بوقف العمليات في رفح، مما يثبت رفض إسرائيل الانصياع للقرارات القضائية الدولية.

 

مسؤولية المجتمع الدولي – بين القانون والأخلاق

تتحمل الأطراف السامية في اتفاقيات جنيف مسؤولية “احترام الاتفاقية وضمان احترامها”.

وبالتالي فإن صمت الدول الداعمة لإسرائيل، واستمرار تزويدها بالسلاح رغم العلم بالانتهاكات، يُعد تواطؤًا ومشاركة غير مباشرة في الجرائم.

كما أن الصمت الدولي يُقوّض منظومة العدالة ويبعث رسالة خطيرة مفادها أن “الإبادة يمكن أن تمر دون عقاب”.

 

الشهادات والتقارير الدولية

    الأمم المتحدة والأونروا: أكدت تقلص المساحات الآمنة إلى أقل من 10% من القطاع، ووصف الوضع بأنه “كارثي وغير قابل للحياة”.

    هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية: وثّقتا استخدام أسلحة متفجرة واسعة النطاق في مناطق مكتظة، بما في ذلك خيام ومراكز إيواء.

    شهادات ميدانية: أفادت بأن الدبابات الإسرائيلية دهست خيامًا ومدنيين خلال توغلها في مناطق المواصي ورفح، في خرق تام لقواعد الاشتباك الدولية.